الحرب العالمية "الكورونية"
إن كنت من مواليد 1950 فما فوق
فإنك لم تعش آثار الحرب العالمية الثانية بين "بريطانيا" وحلفائها و "ألمانيا"
وحلفائها، تلك الحرب التي خلفت موتى بالملايين و دمرت مدن بأكملها، من كان يومها
مدنيا عاش في الملاجئ خائفا مترقبا يحسب الثواني كأنها أيام، ليس له من وقته غير الجلوس منتظرا فرجا،
إن أكل نصف رغيفا يوما بات وأصبح طاوي البطن أياما، نسى الطفل أنه كان طفلا يلعب
مع أقرانه كرة القدم أو الأرجوحة في حديقة الحي، نسي المدرسة و المعلم و السبورة ،
أمسى شراء الحلويات من البقالة حلما، و انتظار عربة "الايس كريم" من
المستحيلات.
الجيش ملأ الشوارع و صوت البنادق
و المدافع تجبرك على جلسة القرفصاء و الاحتماء بما بقي من جدار، تبحث عن نسمة هواء
فلا تجد إلا أنفاس نتنة بخرت المكان .. هكذا كان يقضي أطفال ونساء العالم المتحارب.
من يعيش الآن سنة 2020 يرى أن
العالم دخل حربا ضروس ضد فيروس ، فالمعركة بين دول العالم وبين "كورونا
المستجد" حربا تشبه التي كانت قبل ثمانين سنة، فقد أغٌلقت الحدود و اتخذت
الجيوش مواقعها، و قوات الأمن أقامت نقاط التفتيش، وأجبرت هذه الحرب "الكورونية"
الملايين من البشر على العيش في الملاجئ الاختيارية (المنازل) وأقفلت المحلات
التجارية والمقاهي المحببة إلى قلوب "القهوجية"، وسمي ذلك بالعزل فدول مثل
الصين وإيطاليا عزلت محافظات كاملة و الأخرى أوقفت الحياة التي ألفناها؛ فصار صوت
أزيز الطائرات همسا وانتظار القطارات وهما، و مشاركة الأصدقاء قهوة ساخنة أمنية، و
صخب أطفال الجيران مطلبة.
سور الصين العظيم يبكي سواحه،
وشوارع بكين المكتظة خالية. نافورة
"تريفي" بروما راكدة،
ومسرح "كولوسيوم" يسكنه أشباح. تسمع صوت الريح في شارع "أكسفورد"
فلا يجيبه إلا أنين ساعة "بيج بن". برج "إيفل" مل من الارتفاع،
و الشارع "الروماني" قلب كراسيه ودخل في سبات. نهر "الراين"
سكنت تياراته، و "براندنبورغ" سحبت سلاسل بوابتها. ميدان "التايمز"
أطفأ شاشاته، وانتشر الحرس الجمهوري بمعداته. "النيل" انتهى كما بدأ
هاديا، والهرم أطبق على "خوفو" ،
والخان هجره خليله.
إنها أيام تشبه إلى حد ما أيام الحروب التقليدية
فمن فاته من تلك فليأخذ من هذه الحرب الكورونية درسا و موعظة و استعدادا، ولا ينسى
الصلاة والدعاء و الالتزام بالتعليمات و التحذيرات.
بدر بن ناصر المقيمي