مدريد
مدريد قلب اسبانيا النابض بالحب
والفن، مدينة تعشقها صباحا لتنام في حضنها مساءا، وصلنا إليها مساء يوم السبت الموافق
28 أكتوبر 2017م عبر أجنحة الطائر السويسري الذي حط في مطار مدريد الدولي"باراخاس"
ومن المطار ركبنا قطار الانفاق المزدحم بالركاب من كل عرق ولون ولسان، وما هي
دقائق حتى وصلنا محطتنا المقصودة، في محطات قطار الانفاق الاسباني تحتاج الى
مساعدة اذا كانت المرة الأولى لك ولحسن الحظ ان شركة القطارات موفرة موظفين لخدمة
الزبائن وتوجيهم الى محطاتهم المنشودة.
محطتنا كانت في وسط مدريد، وصلنا
والليل قد نشر مظلته المزينة بالكريستال على المدينة، والنسائم الباردة تأتيك
بالعطور الناعمة، وما هي لحظات حتى وصلنا الفندق، وبعد استراحة قصيرة جدا، خرجنا
لاكتشاف عالم جديد.
المعروف حالياً أن أصل اسم
مدريد أتى من القرن الثاني قبل الميلاد، وبنيت في الإمبراطورية الرومانية لمستوطنة
على ضفاف نهر مانزاناريس، اسم القرية الأولى كان ماتريس "Matrice" على
اسم النهر،وفي القرن السابع سيطر
المسلمون على شبه الجزيرة الأيبيرية وتغير الاسم لـ"مجريط"، أخذ من العربية مصطلح
"مجرى" ومن الرومانى الأيبيري "أيط" بمعنى "مكان". الاسم
الحديث "مدريد" تطور من المزاربي ماتريت Mozarabic "Matrit"
كانت ساعة الكاتدرائية تشير الى الثامنة مساءا، ولكن
الجو العام كـأنه الصبح من حيث أن المحال والمقاهي فاتحة أبوابها، وامواج من البشر
المتلاطمة تموج في شوارعها، سمعنا أصوات الموسيقى والطبول تقرع قريبا منا فتوجهنا
إليها لننظر ما لها، فإذا نحن
في ساحة "بوبرتا ديل سول" ساحة تنبض بالحياة والفن والجمال حيث يتجمع الألآف ليلا لمشاهدة
العروض العفوية من قبل الفنانين من مختلف الاعمار يقيمون حلقات الرقص والاهازيج، وهناك أيضا من تنكر بالملابس الغريبة أو ملابس الابطال
الخارقين كما في الأفلام السينمائية والحقيقة انهم يقومون بالتسول ولكن بطريقة
فنية
مدريد مدينة سياحية بامتياز، لذا
لن تحتار أين تذهب سواء بالليل ام بالنهار، والمطاعم والمقاهي متعددة الذوائق
وفيها ما تشتهيه الانفس، اخترنا مطعما قد وضع طاولاته بجانب الطريق يقدم أنواع المأكولات
فاخترنا اكله شبيهة باللزانيا قال صاحب المطعم انها اكلة اسبانيه، الجميل في مثل
هذه المطاعم والمقاهي انك تستمع بالأكل ومنظر البشر من كل بلاد العالم حولك يحرك
فيك الشهية .
وتطبيقا للمثل القائل "تعشا وتمشى"
مشينا في شوارع مدريد القديمة وازقتها التاريخية، تعانقها البيوت الاثرية حتى تكاد
تعصرها في بعض الأماكن، بيوتها من الأحجار ذات القطع المتوسط تنقسم الى طابقين أو
ثلاثة، الطوابق العلوية ذات شرفات أنيقة تغازل روائح المطاعم وموسيقى المقاهي.
مشينا حتى وصلنا ساحة "بلازا مايور مدريد "plaza
mayor de Madrid أو الساحة الكبرى وهي من اهم الاماكن
السياحية في اسبانيا وأكبر
الساحات في البلاد كلها.
تعتبر من اهم معالم مدريد قام
بإنشائها الملك فيليب الثالث في القرن السابع عشر عام 1617 م لتكون ساحة لتنفيذ
عمليات الإعدام ثم صارت بعدها ساحة لمصارعة الثيران.
يتوسط
الساحة الكبرى في مدريد تمثال الملك فيليب، تبلغ مساحتها 1 هكتار ويطل على الساحة
136 منزل و4377 شرفة لمشاهدة كل ما يدور في الساحة، حيث يعقد بها الاحتفالات
الرسمية والتقليدية، ويحيط بها المباني والمعالم الدينية القديمة.
في الليل ينتشر الباعة المتجولون
في الساحة وحولها لبيع السلع المقلدة واغلب هؤلاء الباعة من الدول الافريقية
المهاجرين بطرق غير شرعية، وهم في معارك كر وفر مع البلدية والامن الاسباني.
ثم رجعنا مرة أخرى الى ساحة "
بوبرتا ديل سول " والتحمنا مع مجمع البشر هناك، استمتاعا بالعروض الفنية
والموسيقى المتنوعة حتى حان موعد النوم.
في صبيحة اليوم التالي وبعد تناول
وجبة الإفطار اتجهنا الى محطة القطار "أتوتشا" وفي طريقنا مررنا بعدة
شوارع ناعسة تغسل عيونها بأشعة الشمس الدافئة،من اهم شوارع التي مررنا بها شارع "غران فيا مدريد"
حيث يعتبر الشارع الذي لا ينام وجزء هام من المدينة الصاخبة فيه العديد من المعالم
السياحية التي تستحق الزيارة.
محطة أتوتشا للقطارات محطة كبيرة جدا عندما دخلناها اعتقدنا اننا في حديقة استوائية وذلك لكثر النباتات الاستوائية المزروعة داخلها
بمساحة 4.000
متر مربع وهي مكان جميل للزيارة وقضاء الوقت بين حدائقها
ومقاهيها، ففيها أكثر من 500 نوع من الحياة النباتية
والبرك، ومتاجر ومقاهي ودرجة الحرارة 24 درجة مئوية.
القصد من ذهابنا الى المحطة هو حجز
تذاكر السفر إلى قرطبة، غرناطة و أشبيلية، مرة واحدة وذلك أن قطارات اسبانيا تختلف
عن قطارات ألمانيا، حيث أنها محددة بالعدد ولا مجال للركوب بعد اكتمال المقاعد،
لذلك لابد ان تحجز مبكرا قبل أيام من سفرك وخصوصا للاماكن السياحية المشهورة وإلا
لن تجد مقعدا في القطار .
خرجنا من المحطة الى محطة حافلات "hop on hop off" التي طارت بنا الى الأماكن السياحية في المدينة، كالمتاحف
الفنية، الحدائق والقصور الاسبانية، وما فتأت قنواتها الاذاعية متعددة اللغات
تدلنا على روعة مدريد، وكان لملعب " سانتياغو
بيرنابيو" نصيب من الوقوف
والتصوير عنده، يقع
الملعب في وسط مدريد، افتتح في 14 ديسمبر 1947وهو
ملعب نادي ريال مدريد، يتسع
الملعب حالياً لأكثر من 81 ألف مُتفرج، وهو يعد من أكبر الملاعب في إسبانيا وأوروبا.
صادف يوم زيارتنا تدفق مئات
الاسبان الى الساحات الكبيرة متظاهرين ضد انفصال "برشلونة" مما اضطر
سائق الحافلة الى تغيير مساره واختصاره بناءا على توصيات الشرطة التي قامت بإغلاق
بعض الشوارع.
احدى محطات الحافلة معبد
ديبود :
يقع بالقرب من حديقة القصر الملكي وهو معبد الاله ايزيس المصري
منحته الحكومة المصرية الى اسبانيا اعترافا بجميلها لمساعدة اسبانيا لمصر في بناء
السد العالي بأسوان وتم حفر المبنى القديم لمدة اربع سنوات مع النقوش السفلى التي
تصور اّمون وإيزيس ويعتبر معبد ديبود واحدة من المعالم السياحية الأكثر غرابة.
بعد المعبد تأخذك الحافلة الى "ساحة اسبانيا"
وهي من أشهر الساحات في مدريد واجملها يوجد في وسط الساحة تمثال "فوينتى دي لا
سيبيليس "الذى يعتبر رمز للمدينة وهناك نافورة رائعة منحوتة من الرخام الأرجواني
عن طريق فرانسيسكو ميشيل في 1780 ميلادية ويحيط بالساحة المباني التي شيدت على
الطراز الكلاسيكي.
حديقة ريتيرو مدريد Buen Retiro Park الخضراء
في وسط مدينة مدريد الإسبانية إحدى الوجهات السياحية، تبلغ مساحتها 1400 كيلومترًا. وهي
معروفة باسم بالاسيو دي كريستال ديل ريتيرو ، أنشئت الحديقة في أواخر
القرن التاسع عشر وقد صمم معظمها على الطراز القوطي وتعد من وجهات السياحة في
مدريد الأكثر
شعبية وهي مليئة بالمتاحف الجميلة مثل متحف برادو الذي توقفنا عنده قليلا لمشاهدة
الأعمال الفنية تُعد الحديقة موطنًا لأكثر من خمسة عشر ألف شجرة والعديد
من الزهور بالإضافة إلى شجرة السرو الصنبورية والتي يُعتقد أنها أقدم شجرة في
إسبانيا حيث يُقدر عُمرها بنحو 400 عام.
ودائما الوقت لا ينتظر أحدا وقطارنا
المتجه الى قرطبة ينادينا، فتوجهنا الى المحطة وتناولنا وجبة الغداء في احد
مطاعمها، ثم صعدنا متن القطار ملوحين بالسلام على مدريد وأهلها الكرام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق