إشبيلية
مع تقدم الزمان ونمو السكان كثر البنيان
وازدهر العمران، حتى أصبحت اشبيلية رابع أكبر مدينة اسبانية، سكانها خليط من
الاندلسيين والاسبان والعرب الذين هاجروا حديثا، مع وجود أقليات من الهنود
والصينين والأفارقة تراهم يعملون في المطاعم والمحلات التجارية.
تعتبر اشبيلية أو Sevilla عاصمة منطقة أندلوسيا ومقاطعة إشبيلية في
جنوب إسبانيا، وتقع على ضفاف نهر الوادي الكبير، واشتهرت المدينة بشكل كبير
إبان حكم المسلمين لإسبانيا في
العصور الوسطى وكان يطلق عليها أيضاً اسم (حمص) نسبة لنزول جند الشام فيها أول مرة،
وفي أواسط القرن التاسع الميلادي أمر عبد الرحمن الثاني ببناء
أسطول بحري ودار لصناعة الأسلحة فيها، وكان من أشهر حكامها المعتمد بن عباد،
ومن أهم معالمها منارة "خيرالدا " التي بنيت بأمر من
السلطان أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي، ومن أبرز سكانها
حينذاك إبراهيم بن سهل المشهور
بديوانه.
كان وصولنا إلى المدينة حوالي
الساعة الثالثة بعد الظهر، والمسافة من محطة القطار إلى الفندق حوالي خمسة عشر
دقيقة مشيا على الاقدام، الفندق يقع في المدينة الجديدة في شارع هادئ، موظفة
الاستقبال تتحدث الاسبانية بطلاقة والانجليزية بشيء يسير ما يساعدها على استقبال
الزوار ولكن صورتها وتقاسيم وجهها يمثلان
صورة عربية فخاطبتها بالعربية فردت بلهجة شامية ومنها انطلقت اسئلتنا عن المدينة
وعن المطاعم الحلال وغيرها من التساؤلات. المرأة الخمسينية هاجرت مع زوجها من
سوريا الى اسبانيا منذ خمسة وعشرون سنة واستقرت في اشبيلية بسبب جمال المدينة وود
أهلها وقد افادتنا ان الأماكن الاثرية تغلق الساعة الخامسة مساء فما كان لنا إلا
استراحة قصيرة جدا للصلاة وتجديد النشاط ونزلنا هرولة الى المدينة القديمة التي
ليست ببعيدة قطعناها مشيا مرورا بالحديقة الكبيرة والبيوتات المتراصة كأنها لوحة "بيكاسوية"
وصلنا الجامع والقصر الملاصق به ولكن لا وجود لكشك التذاكر، سألنا أين و أين فكان
الجواب التذاكر عن طريق الموقع الالكتروني.
بالرغم من الأسف على عدم مشاهدة
عجائب ما بناه المسلمون من معالم إلا اننا قمنا بالتجوال بين القصر والجامع الذي
تحول الى كنيسة كبيرها سميت بــ "كاتدرائية إشبيلية " فقد هدم أجزاء من المسجد وبنيت الكنسية في نفس الموقع في
عام 1401 وكاتدرائية إشبيلية من بين أكبر جميع كاتدرائيات القرون الوسطى
الجرمانية، سواء من حيث المجال والحجم في إسبانيا، حيث زينت بشكل مسرف، مع كمية
كبيرة من الذهب. أعادت الكاتدرائية استخدام بعض الأعمدة وعناصر المسجد، ومن ضمنها
المئذنة جيرالدا، التي تحولت إلى برج الجرس. ترتفع "الجيرالدا" شامخة
فوق أسطح منازل إشبيلية، وتعتبر أهم معالم المدينة، وقد بنيت سنة 1184 م كمئذنة لمسجد إشبيلية
الكبير. يبلغ ارتفاع الجيرالدا 97,5 متراً، وقد تم بناء القمة المتحركة حسب اتجاه
الرياح في القرن السادس عشر،
ومنذ ذلك الحين أصبحت الجيرالدا تعرف بهذا الاسم نسبة إلى التمثال في أعلاها .
يواجه كاتدرائية إشبيلية "الكازار " وهو قصر
المدينة القديمة ولدخوله يلزمك التذاكر التي تباع عن طريق الانترنت أيضا، وليس بعيد عنه دار
البلدية، التي بنيت في القرن السادس عشر. وقد شيدت الساحة الجديدة (بلازا نويفا)
في القرن التاسع عشر بأسلوب تقليدي حديث.
يلاحظ ان "المرابطون"
الذين حكموا المدينة ابدعوا نظاماً
جديداً في تخطيط الأسوار، إذ عمدوا إلى الإكثار من الزوايا الداخلية والخارجية
بالسور، بحيث يتخذ شكل خطوط متعرجة متكسرة، وميزة هذا النظام أن يترك الجند
أعداءهم يتقدمون داخل إحدى الزوايا، ثم يندفعون عليهم من أعلى الأسوار على الدروب
فيفتكون بهم فتكاً ذريعاً، ويشبه هذا النظام "الزمبرك" إذا ضغط عليه ثم
ترك اندفع بقوة فيصيب ما يقابله، وما زال قطاع من هذه الأسوار بإشبيلية قائماً،
ويعرف باسم سور مقارنة، ويمتد من باب مقارنة حتى باب قرطبة، وتتناثر بعض بقاياه
بعد ذلك في حديقة معهد الوادي.
من معالم إشبيلية الباقية السور الأمامي الذي بناه وشيده
الحاكم" أبو العلا إدريس" عـام 1223م. وحفر
حوله خندقا، ومد منه سور قليل الارتفاع إلى نهر الوادي الكبير ببرج ضخـم كبير
الأضلاع هو برج الذهب القائم حتى اليوم، وفي مقابل هذا البرج برج
ممـاثل لـه عـلى الشاطئ القريب من المدينة يربط بينهما سلسلة حديدية ضخمة تمنع
السفن من المرور ليلا في نهر الوادي الكبير حماية
للمدينة من التسلل إليها عبر النهر.
نهر اشبيلية نهر نشط الحركة شيدت
على ضفتيه المقاهي والمطاعم التي تقدم المأكولات المختلفة وخصوصا الاندلسية منها،
ويربط بين الضفتين عدة جسور أهمها الجسر الروماني القديم كما يمكن للمرء النزول
الى النهر بواسطة سلالم حجرية.
خلال عودتنا الى الفندق مررنا
بكثير من البيوت التي تحولت الى محلات تعرض التذكارات واللوحات التي رسمت عليها
المزارات السياحية في اشبيلية، ثم تناولنا وجبة العشاء في مطعم يعمل فيه طاه من الجالية
الباكستانية، ليل اشبيلية هادئ جدا تتراقص الازهار في شوارعها على موسيقى النسائم
المحملة بعبق الماضي الجميل، قضينا ليلتنا تلك مستاذكرين غدوات و رواح المسلمين الاوائل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق