برلين
من لم يرى برلين لم يزر المانيا،
برلين بصفتها العاصمة السياسية للبلاد إلا أنها مع العمران الحديث المتسارع
والتنظيم الممتاز وتوفر خدمات البنية التحتية من مواصلات بمختلف أنواعها، وتعدد
ثقافات ساكنيها وزواج أوروبي شرقي مع غربي أثمر عن باقة ورد ذات ألوان وعطور
متنوعة صنعت عطرا خاصا ذا لون مميز، من تعطر منه حن وعاود إليه، وحتما برلين ستأسرك وترميك في حضنها عاشقا
ولهان، ولا ريب ان جمال المدينة من جمال قلوب ساكنيها فالكل يحييك ويقدم لك
المساعدة مع ابتسامة تعلو الوجوه.
أجريت عدة اتصالات وتواصل لمحاولة
اشراك جميع الزملاء في رحلة برلين إلا أن تفاوت الرغبات وتباعد المسافات، سافرت مع
الأخ العزيز "علي الكثيري" بالقطار وكما هو معلوم انه لا يوجد قطار واحد
تستقله يأخذك الى وجهتك وانما تضطر الى التحويل من قطار الى اخر عبر محطات معينة،
وصلنا برلين الساعة الثامنة مساء بعد عناء سبع ساعات ترحال وتنقل من محطة الى
أخرى، وصلنا بترحيب سماوي خصيب ونسيم بارد، ولحسن الاختيار فقد كان الفندق قريبا
جدا من محطة القطار حوالي ثلاث دقائق مشيا على الاقدام، دخلنا الغرفة واغتسلنا من
نصب السفر وتدثرنا حتى الصباح .
في صبيحة اليوم التالي وبعد تناول
وجبة الإفطار اللذيذ بتنوع مائدته الأوروبية، اتجهنا الى مكتب الترويج السياحي
والمتواجد في نفس الفندق واشترينا منه تذاكر الحافلة ذات السقف المفتوح والمسماة (hop on hop off) والتي تتيح للسائح المرور بجميع الأماكن السياحية والنزول لزيارتها
وثم الركوب مرة أخرى في نفس الحافلة او اخواتها والتي تمر على محطات محددة كل
عشرين دقيقة.
فكانت أول محطة بوابة براندنبورغ:
تعد بوابة "براندنبورغ"
) Brandenburger
Tor) من التحف المميزة
كثيراً لبرلين وألمانيا، وهي رمز للمدينة والبوابة تحمل اسم ولاية براندنبورغ التي
تحيط بولاية برلين وتقع في ساحة "باريسر"، بدأ بنائها عام 1788م حتى عام
1791م وتحطم جزء منها في الحرب العالمية الثانية
ثم أعيد بناء الجزء المحطم مرة أخرى، وبجوار البوابة من ناحية اليسار وضع نصب
لثلاث حافلات ركاب بشكل عمودي في منظر صادم للمشاهد.
كان الجو ماطرا وباردا جدا
بالنسبة إلينا نحن أبناء الصحراء فما كان من رفيق السفر إلا البحث عن غطاء للرأس
واليدين "قفاز" لدرء لسعات البرد المحيط بنا.
المحطة الثانية مبنى البلدية:
يقع بالقرب من ساحة أليكسندربلاتز
) Alexanderplatz)، ويتميز بمعماره ذي القرميد الأحمر، الجزء المبني
مسبقاً الموجود أمامه هو "نيبتونبرونين" Neptunbrunnen))، وهي نافورة تمثل مشهداً أسطورياً.
المحطة الثالثة مبنى الرايخستاغ:
هو المقر التقليدي للبرلمان الألماني،
تم إعادة تجديده في خمسينيات القرن العشرين بعد الضرر الجسيم الذي لحق به أعقاب الحرب
العالمية الثانية، قام المهندس المعماري نورمان فوستر (Norman Foster) بإعادة تصميمه في التسعينات من القرن العشرين مشكلاً قبة زجاجية فوق
منطقة الجلسات، ويسمح للعامة الولوج المجاني إلى الإجراءات البرلمانية، وهناك أيضا
مبنى الوزارة الفيدرالية وهو من أهم المباني في مقر الحكومة الحديث البناء. المبنى
الأبيض هو جزء من باند ديس بونديس ) Band des
Bundes) الذي يربط المباني
الجديدة ببعضها ويخلق حوارا معماريا مع الرايختاغ مبنى البرلمان الألماني التاريخي.
المحطة الرابعة قصر شارلوتنبرغ:
قصر شارلوتنبرغ ) Schloss Charlottenburg) هو أكبر قصر في برلين والمبنى الوحيد في المدينة الذي يعود تاريخ
بناءه إلى عهد عائلة الهوهينزوليرن Hohenzollern))، سمي تيمنا
"بصوفي شارلوته" التي أصبحت ملكة بروسيا بعدما تزوجت "فريدريك"
وهو أحد الرجال المسؤولين عن بنائه. يمكن للزوار مشاهدة أقسام المعيشة اليومية لفريديريك
وصوفي شارلوت بالإضافة إلى المجموعة الفنية المذهلة التي تعود للقرن الثامن عشر، كما
يتميز هذا القصر بهندسته الداخلية الرائعة وغرفه المتصلة ومعروضاته الفنية، صمم الديكور
الداخلي فيه وفقاً لنمطي "الروكوكو" و"الباروك" المنتشران في
تلك الحقبة، وتم إنشاء حديقة كبيرة خلف القصر مزينة بأشجار الليمون والنوافير تحيط
بها غابة. كما تم بناء العديد من الأبنية في باحة القصر، مثل المسرح وسرادق متعددة
الاستخدامات، تضرر القصر كثيراً إثر الحرب العالمية الثانية، لكن تمت إعادة ترميمه
لاحقاً.
خلال ساعات النهار تقوم مجموعة من
الممثلين بأداء أدوار الحرس الملكي في ذلك الزمان الغابر، ممتطين صهوة الخيول
قارعين الطبول في مشهد لا تراه إلا في الأفلام.
المحطة الخامسة شارع 17 يونيو- حزيران:
تصل شارع 17 يونيو- حزيران ) Straße des 17. Juni) بوابة براندنبرغ وساحة أرنست-رويتر بلاتز ) Ernst-Reuter-Platz). سمي إحياءً لذكرى الثورة التي قامت في شرق برلين في 17 حزيران
1953م. في منتصف الطريق من بوابة براندنبرغ يقع "غروسر ستيرن" Großer Stern))، وهو جزيرة دائرية للمرور (دوار) وضع عليها عمود النصر ) Siegessäule).
المحطة السادسة برج التلفزيون:
يقع في ساحة "أليكسندربلاتز"
Alexanderplatz)) في حي "ميتيه" Mitte))، وهو ثاني أطول
بناء في الاتحاد الأوروبي بطول يبلغ 368 متراً. تم بناؤه في العام 1969م، ويمكن رؤيته
من معظم المناطق المركزية في برلين، من خلاله يمكن مشاهدة المدينة من ارتفاع 204 متر
من على منصة المراقبة في البرج، كما يضم البرج مطعماً متحركاً. من هذه النقطة يتجه
شارع كارل ماركس تجاه الشرق، حيث جادة مصفوفة بالأبنية التاريخية مصممة على النمط الاشتراكي
الكلاسيكي الذي يعود على عهد ستالين (Stalin) في برلين
الشرقية (سابقا).
المحطة السابعة ساحة جندارمنماركت:
هي ساحة مصممة على النمط الكلاسيكي
الحديث في برلين والتي يعود اسمها إلى الاحتلال النابليوني، ويحيط بهذه الساحة كاتدرائيتان
تمتلكان تصميماً مشابهاً وهما؛ الكاتدرائية الفرنسية Französischer) Dom) والكاتدرائية الألمانية Deutscher Dom))؛ بين هاتين
الكاتدرائيتين تتموضع قاعة الحفلات Konzerthaus))، موطن أوركسترا
سمفونية برلين.
المحطة الثامنة برلينر دوم:
هي كنيسة بروتستانتية تقع في جزيرة
وسط نهر شبريه ) Spree) على الجانب
الآخر من موقع "برلينر شتادتشلوس" وبالقرب من "لوستغارتن" Lustgarten))، الذي يضم سرداب
كبير فيه بعض البقايا القديمة من إحدى العائلات الملكية البروسية. ومثل غيرها من الأبنية،
تعرضت الكنيسة لضرر جسيم خلال الحرب العالمية الثانية.
المحطة التاسعة شارع فريدريش:
هو شارع برلين الأسطوري خلال العشرينات
من القرن العشرين، ويضم تقاليد القرن العشرين مع فن العمارة الحديث القائم في برلين
اليوم.
المحطة العاشرة جدار برلين:
في ليلة التاسع من نوفمبر عام 1989م، تم هدم جدار برلين
على نحو غير متوقع بعد عدة أشهر من تسلل مواطني الجمهورية الألمانية الديمقراطية
إلى الغرب عبر المجر والاتحاد السوفييتي، في تلك الليلة احتفلت برلين وباقي
المدن الألمانية بهذا الحدث التاريخي، موقع الجدار وجزء منه موجود حتى الان، ويمكن
للزائر رؤية آثار التحطيم عليه، ومن الداخل هناك اطلال للمباني الرسمية التابعة
لحكومة برلين الشرقية، بجانب الجدار أنشي متحف يسرد تاريخ المدينة وما مرت به ابان
الحقبة النازية، اخذنا جولة في المتحف وثم استرحنا على مقاعد المقهى الموجود فيه
وارتشفنا القهوة والشاي الأخضر، اللذان فتحا الشهية لمناقشة فترة حكم هتلر من قبل
رفيق السفر (علي الكثيري).
المحطة الحادية عشر تشيكبوينت تشارلي:
توجد في هذا المحطة نقطة تشارلي الشهيرة الفاصلة بين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية
سابقاً، ولا تزال النقطة التفتيش موجودة حتى الان بصفة رمزية حيث اخذنا صور
تذكارية بجانبها كما يوجد في الجوار متحف هاوس أم تشيكبوينت تشارلي (Museum Haus am Checkpoint
Charlie)
يعرض معدات أصلية كانت قد استعملت من قبل أشخاص كانوا قد
حاولوا الهرب من ألمانيا الشرقية.ويوجد
أيضا أسلحة أوتوماتيكية استعملت عند الحدود، كما يمكن للزوار الاستماع إلى محاضرات
عن حائط برلين الشهير
وكيفية بناؤه وسقوطه لاحقا، ومحاضرات عن الشرطة السرية والنظام العدلي والمقاومة
والهروب من الشرقية إلى الغربية.
وفي وسط الشارع رصف خط بالطابوق الأحمر
(الانترلوك) يوضح تقسيم المدينة بين شرقي وغربي حيث يمكن الوقوف عليه ووضع قدم في
الشرق وأخرى في الغرب.
تتميز برلين بعدد كبير من المنشآت الثقافية، والتي يتمتع
العديد منها بشهرة واسعة في أرجاء العالم، إن الحيوية والتنوع الذين تتمتع بهما
هذه الحاضرة قاد إلى مكانة دائمة التطور والتميز بين المدن الرئيسية الأخرى،
المشهد الفني في المدينة متنوع كثيراً، فبرلين موطن لأكثر من 420 صالة عرض؛ وهذا
جعل الكثيرين من الألمان الشباب والفنانين العالميين يختارون برلين مكاناً
ليستقروا فيه على نحو دائم. فقد برزت برلين في أوروبا كمركز للشباب والثقافات
الرائجة.
برلين المدينة الثقافية تتحدث عن وجهها الآخر وهو الترفيه،
حيث يمكن استكشاف برلين باستخدام الدراجات الهوائية المتوفرة في أنحائها والتجول
بها في الأسواق والحدائق والطرقات، كما توفر المدينة الدراجات الرياضية والقوارب
المائية من الساعة العاشرة صباحا إلى العاشرة مساء. وإذا كنت من هواة السير على
الأقدام ستتيح برلين لك الفرصة للتعرف على تاريخ المدينة ومن يرغب بالجولات الخاصة
يوجد الكثير من الاختيارات التي يمكن طلبها قبل الوصول إلى برلين من الفنادق
ومكاتب السياحة.
وتسطيع أيضًا أن تحلق في سماء برلين بارتفاع 150 متر عن
سطح الأرض لرؤية المدينة بأكملها والتقاط الصور من البالونات الهوائية، بالإضافة
إلى سوق فلي (Flea
Market) الواقع على ضفاف نهر شبريه(Spree) الذي
يعرض أفضل المنتجات وأرخص الأسعار في نهاية كل أسبوع من الساعة الخامسة إلى
العاشرة مساءا ويمكن المساومة بالأسعار للحصول على أرخص الصفقات.
تنفرد برلين بوجود العديد من أماكن التسوق، بدءاً من شوارع
التسوق الحضرية ذات الأجواء التقليدية القديمة وانتهاءً بالمراكز التجارية وشوارع
التسوق الحديثة، كلٌ يمثل عالماً متميزاً له طابعه الخاص، إلا أن السمة المشتركة
في هذه المراكز التجارية تتمثل في المزج بين المتاجر، والبوتيكات، والمطاعم،
والمقاهي.
فمثلاً يعتبر شارع "كورفورستيندام" الأسطوري ( Kurfürstendamm)، الذي يسمى اختصاراً بشارع "كودام" (Ku'damm)، من أكبر وأشهر أماكن التسوق في العاصمة الألمانية برلين، حيث
يمتد من حديقة الحيوانات إلى منطقة "شارلوتنبورغ" على مساحة تبلغ نحو
ثلاثة كيلومترات، وتصطف على جانبيه مبان تاريخية قديمة وفخمة، إلى جانب عدد من
المحلات التجارية الكبيرة التي تبيع أشهر العلامات التجارية العالمية.
ويوجد في قلب برلين عدد كبير جداً من صالات العرض الفنية
والمراسم والمتاحف المتنوعة، والتي تُظهر بشكل جلي المخزون الثقافي الذي تتصف به
المدينة، وبالإضافة إلى المعارض العادية هناك أيضا الحفلات الغنائية والراقصة
وحفلات القراء والمسرح.
برلين هي مدينة المتاحف حيث تستضيف كنوز الحضارات من جميع
أنحاء العالم وأعمال لعظماء من الماضي والحاضر، وتعتبر جزيرة المتاحف
( Museumsinsel)
التي تقع في قلب برلين كنزاً من كنوز الإنسان واحد أهم
معالم الاستقطاب للسياح والمواطنين، حيث تضم خمسة متاحف ذات شهرة عالمية واسعة،
وتمثل أكبر تجمّع للمتاحف في أوروبا، إذ تحتوي على تراث لأجيال وعصور متعاقبة يزيد
عمره على 6000 سنة، وقد تم إدراج هذه المنطقة على قائمة التراث العالمي لليونسكو
منذ العام 1999م.
كان يوما حافلا ولولا المطر والبرد ما رجعنا الى الفندق، وما
اخذنا قيلولة طويلة؛ ثم خرجنا مرة أخرى لاكتشاف معالم برلين الليلية، المضيئة بالأقمار
الصناعية (المصابيح) والتسوق من متاجرها المتنوعة وتناول وجبة العشاء في مطاعمها
المختلفة.
قضينا في برلين ليلتين كانتا من الاحلام فتحقق الحلم
واصبحنا في محطة القطار بعد الإفطار قاصدين "نيوفييد" و
"كوبلنز" الدافئتين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق