ميونخ
من منا لم يسمع عن ميونخ عاصمة
ولاية بافاريا! فهي قبلة السياح وقبلة العشاق مدينة امتزج فيها الماضي بالحاضر
والاخضر بالأصفر والاحمر، والوان شتى من البشر والشجر وبينهما النهر يجري.
تنطق بالألمانية (München) وهي ثالث أكبر مدن
ألمانيا وتقع في جنوب ألمانيا على
نهر إيسار على
بعد 103 كم من جبال الألب.
تشتهر ميونيخ عالمياً بأنها مدينة ثقافية عالمية الطابع،
إذ أنها تمتلك مئات المتاحف والمعارض الفنية، والقصور الأثرية والكنائس، والكثير
من الكنوز الثقافية والفنية التي تجعل منها من البقاع المميزة على مستوى العالم.
اتفقنا نحن الأربعة (موسى، خالد،
علي وانا) المولعين بالسفر والاكتشاف على زيارتها فوضعنا الخطة وتقاسمنا الأدوار،
فكانت الوسيلة الأمثل استئجار مركبة خفيفة تحملنا الى ميونخ مع دليل التموضع
العالمي (GPS) مررنا بنهر الراين -وكأننا نودعه على أمل
الرجوع قريبا- وحقول من شتى المزروعات وغابات الصنوبر والبلوط وغيرهما، وحقول من
المراوح البيضاء العملاقة زرعت لتوليد الكهرباء من الهواء، ودخلنا انفاقا وسط جبال
رسمت بجمال ولونت بالأخضر الداكن .
استغرقت مركبتنا حوالي خمس ساعات
وكان في استقبالنا ملعب نادي "بايرن
ميونخ" بألوانه الحمراء، فأخذنا جولة في اروقته ولم نكن وحدنا ضيوفه فهناك
محبيه من كل دول العالم اتو لرؤيته وشراء شيء من تذكاراته وصور لاعبيه وبعضنا
استغل الفرصة فتناول وجبة الافطار في مطعمه السريع.
تربط بوابة (بروبيلين) في ساحة (كونيغبلاتز) مدينة ميونخ
الداخلية بالضواحي التي حولها وهي مدخلا لأربع جادات ملكية كبيرة ذات أبنية رسمية
رائعة يعود بناءها إلى القرن التاسع عشر وهي:
جادة برينر بالألمانية (Briennerstraße) المصممة
على النمط الكلاسيكي الحديث، وجادة لودفيغ بالألمانية (Ludwigstraße) وقد
تم تشييد الجزء الجنوبي من الجادة وفقاً لنمط النهضة الإيطالية، بينما يتأثر القسم
الشمالي بفن العمارة الإيطالي الرومنسي.
وأيضا جادة ماكسيميليان بالألمانية(Maximilianstraße) وهي مصممة على النمط القوطي الجديد،
وتجمع أهم المحلات الراقية والأسماء العالمية، والرابعة جادة )برينتسريجينتن ( بالألمانية (Prinzregentenstraße) وهي
موازية لجادة ماكسيميليان وتبدأ عند قصر الأمير كارل وتوجد في هذه الجادة العديد
من المتاحف، ومنها بيت الفن والمتحف البافاري الوطني .
اخذنا الدليل (GPS) الى الفندق
الذي حجزنا فيه مسبقا والفضل يعود لموقع (booking) ،
استقبلتنا فتاة المانية أربعينية وفي عينيها استفهام وعتاب! غير راضية عن بطاقة
البنك، إلا أن ابتسامة منا، و التعب الممزوج بشحوب وجوهنا رقق قلبها فطلبت منا
الانتظار لحين جهوزية الغرف، وصلنا ميونخ وهي تحتفل بالأول من أكتوبر وكانه حفل
زفاف للمدينة التي تتزين له وتفرش السجاد
وتقيم الملاهي وتشرب فيه الجعة حتى الثمالة وترقص على انغام الموسيقى البافارية، ملابس
النساء تقليدية تسفر المرأة عن ساقيها
وتبرز جمال صدرها وتنتعل حذاء من الخشب المرتفع من الامام، اما الرجال فلباسهم
قميص من قطعتين ذو اكمام طويلة وسروال يغطيه حذا جلدي طويل حتى اسفل الركبة بقليل.
من حسن حظنا ان الفندق يوفر نقل
مجاني الى محطة المترو مما وفر علينا التجوال بالسيارة فخرجنا قبل العصر و ركبنا الحافلة الصغيرة واذا بالسائق ذو ملامح
شرقية ولسان عربي وتلك أيضا من توفيق الله تعالى لأنه اعطانا نصائح ومعلومات عن
المدينة وكذلك اخذنا رقم هاتفه ان احتجنا إليه في شيء.
نزلنا من المترو في المحطة التي
اخبرنا عنها الأخ العربي، وخرجنا من الأرض بسلالم كهربائية، كأننا مقاتلين دخلنا
الى المدرج الروماني الشهير (الكوليسيوم) مع
تصفيق وصريخ الجماهير الغفيرة من كل اصقاع الأرض، تجولنا في شوارعها وازقتها حتى
صفر حكم الجوع الذي قادنا الى مطعم هندي، تناول رفقائي البرياني بالدجاج،
ولافتقادي طعم "العدس" خلال وجودنا في المانيا طلبت صحن عدس و رغيفين من
"البراتا" الهندية، وعند الحساب ثقلت كفة العدس والبراتا وإلى الآن أتسأل
كيف ذلك! .
ميونخ مدينة الفنون
إن كنت من محبي التراث والتاريخ والفنون فمدينة ميونخ تملك
ما لذ من ذائقات الفن، وما طاب من فواكه المعرفة وهذه بعض المتاحف هناك:
المتحف الألماني بالألمانية (Deutsches Museum) يعد المتحف
الألماني من
أقدم متاحف التاريخ الطبيعي والتقني وأكبر متاحف العالم، حيث أن مساحته تبلغ حوالي
50 ألف متر مربع.
متحف بافاريا القومي (Bavarian National Museum) يحتوي
على القطع الأثرية التي تعود إلى عدة عصور كالعصر القوطي وعصر الباروك والروكوكو
وعصر النهضة. كما يضم العديد من التحف والأعمال الفنية المصنوعة من العاج.
متحف مدينة ميونيخ
(Munich City
Museum) يقام في هذا المتحف العديد من المعارض المؤقتة
والدائمة التي تتيح الاطلاع على الوثائق والسجلات التي تتناول تاريخ المدينة. كما
تقام فيه معارض خاصة حول تاريخ الحضارات والثقافات المختلفة. تشمل نشاطات المتحف
نطاقاً فنياً واسعاً، سواء أكان الأمر يتعلق بفن التصوير الفوتوغرافي أو فن
الأزياء والإكسسوارات أو فن العمارة أو اللوحات الفنية والنحت والأشغال اليدوية أو
الآلات الموسيقية.
متاحف اللوحات الفنية (Art Galleries) تضم
ميونخ العديد من المتاحف الفنية، بداية بالمتاحف الثلاثة المخصصة للوحات والرسومات
الفنية في شارع بارر شتراسه في منطقة شفابينج؛ حيث يضم المتحف القديم بالألمانية (Alte Pinakothek) أكثر
من 800 لوحة من أعمال أشهر الفنانين الأوروبيين ومنهم تيزيان وجيوتو وروبنز
ورمبراندت. وعلى أمتار قليلة منه يقع المتحف الجديد بالألمانية (Neue Pinakothek)
الذي يحتوي على مجموعة هامة من الأعمال الفنية الأوروبية من
نهاية القرن الثامن عشر وحتى بداية القرن العشرين، ومنها على سبيل المثال لوحات
لفان جوخ ومونيه. أما المتحف الثالث فهو متحف الفن الحديث بالألمانية (Pinakothek der Moderne)
الذي افتتح عام 2002، والذي يعطي فكرة شاملة عن أعمال الفن
التصويري والتشكيلي والتطبيقي في القرنين العشرين والحادي والعشرين.
دار الفن تقوم دار الفن،
التي تقع بجوار الحديقة الإنجليزية، بعرض مقتنيات فنية وتاريخية ترجع إلى مختلف
العصور الفنية. وقد اكتسب المبنى الذي تم بناؤه عام 1937 شهرة كبيرة أثر قيامه،
عقب استيلاء أدولف هتلر على السلطة، بعرض مجموعة الأعمال التي قدمت تحت اسم
"فن بلا قيمة فنية". أما اليوم فتقوم دار الفن بعرض الأعمال الفنية
للفنانين المعاصرين من مختلف أنحاء العالم.
ودعتنا الشمس الدافئة وسحبت
ردائها رويدا رويدا تاركة المدينة تحت رحمة الليل البهيج، ليل ميونخ انيق بالأنوار
الزاهية على كنائس ومباني المدينة، وزكي الروائح المنبعثة من المقاهي المصطفة على
ضفاف شوارعها، ونسيم بارد يلف حديقة قصرها وبستانها المشهور "بالحديقة
الإنجليزية"، بالألمانية Englische Garten) ) وتبلغ مساحتها 3.7
كلم مربع. أنشأت منذ أكثر من 200 عام وما تزال الحديقة الإنكليزية تسحر زوارها
بجمال مداخلها وأماكن التشمس بالإضافة إلى أماكن اللعب والزوايا الحميمة ويمكن
مشاهدة أفضل المناظر في المدينة من أعلى نقطة في الحديقة واسمها تلة (Monopoteros)
فبعد كل التعرف وتلمس وتصوير
مفاتنها استرحنا على مقاعد مقاهيها واحتسينا القهوة والشاي الأخضر.
مدينة جارمش
في اليوم التالي تحركنا الى مدينة
(جارمش) أو (قارمش) والتي تبعد عن ميونخ المدينة حوالي ساعة ونيف، تموج بك المركبة
على بحر من الخضرة والانهار الصغيرة يدفع الشراع نسيم بارد اكسيري يحيي مغامرات
الشبيبة في نفوس العجائز، ويناور شراعنا جبال خضر مكللة بالتيجان البيضاء حتى
وصلنا الى مشارف القرية وقد فكت ضفائرها وغسلتها بماء المطر، اما الابقار البنية
اللون تمرح في تلك المروج بدلال، والعصافير تغني أغنية "الفجرية"، اخذنا
التيار الى "بحيرة ايبسي" (Eibsee) المرسومة بجمال تحت سفوح جبال الألب، القينا المرساة
وترجلنا عن صهوة المركبة، وتجولنا ما
يقارب الساعة على شاطي البحيرة النائم على الجبال والغابات، والبجع يسبح بعجُب و
البط يشاركه اللعب.
قبل النزول الى ممشى البحيرة هناك
أيضا المراكب الكهربائية "التلفريك" التي تأخذ السائح الى اعلى قمم جبال
الالب مخترقة السحب نحو بياض الثلج ولكن لضيق الوقت اكتفينا بالبحيرة الجميلة.
عند رجوعنا من مدينة جارمش مررنا
بنهر صغير يحمل رقائق الماء كأنها قوارير تتراقص لتصنع لحنا شجيا يأسر القلوب، فما
كان من قبطان المركب إلا أن يميل إلى ذلك الجمال ونلتقط صورا معه.
الجسر المعلق
كذلك مررنا بجسر معلق يربط طرفي
جبلين بسلاسل والواح من حديد لا يصدأ، أيقظ في نفوسنا حب المغامرة وبعد التشاور اتفقنا
على ركوب الجسر المعلق، مدخل الجسر يبدأ من قلعة قديمة على ضفاف الشارع تتألف
القلعة من متحف صغير ومقهى وبعض الغرف، اشترينا التذاكر ب 8 يورو للشخص الواحد
وبعدها صعدنا الى أعلى قمة الجبل الغربي حيث تنام قلعة أخرى قديمة جدا تساقطت
اسنانها، طول الجسر حوالي 400 متر تقريبا، يمور بك إذا هبت رياح او إذا تمايلت
اطرفه جراء حركة السياح، المنظر من اعلى الجسر رهيب، المركبات تبدو كأنها قطع من
العاب (Lego) والبشر كأنهم نمل يدور حول مملكته، لا ينصح
بعبور الجسر من يعانون من رهاب الأماكن المرتفعة او مشاكل في القلب، تستقبلك في
الجهة المقابلة ساحة صغيرة لأخذ استراحة والتقاط الصور ، بعض السياح حبذا النزول
في الغابة، اما نحن فرجعنا الى مركبتنا من نفس الجسر.
عودتنا الى مدينة (لودفيغسهافن) كانت غير مريحة نوعا ما بسبب اعمال الصيانة على
الطريق، مما جعل دليلنا (GPS) يأخذنا الى
طريق مختصر داخل قرى ريفية اخذت منا الكثير من الوقت، حيث وصلنا السكن ليلا، وقد
اخذ منا التعب والجوع نصيبهما، ولكن ذكريات الرحلة الى ميونخ ظلت تواسينا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق