نيوفييد Neuwied
مدينة صغيرة على ضفاف نهر الراين
الكبير، مدينة ريفية الأصل نبيلة الحسب والنسب، مفتخرة بمجدها الغابر، ارضها
الخصبة منبت للخضروات وثمار التفاح الأحمر، بيوتها القرميدية تأخذك الى تلك العصور
الفانية، تتفاخر "نيوفييد" بقصر أميرها الرابض على ضفة الراين وبينهما
(القصر والنهر) مرسى للسفن والمراكب القادمة من انحاء البلاد لترسو قبالة شرفة
القصر وعلى نظر الأمير وعائلته واحفاد احفاده الذين لا يزالون مستوطنين القصر
الانيق، والمدينة محاطة بسور كبير تتخلله بوابات محروسة بالحديد .
اختيار هذه المدينة لم يكن محض
صدفة من قبل القائمين على أمر الزيارة حيث انها تحتضن شركة (Lohmann & Rauscher) المتخصصة في صناعة المستلزمات الطبية والتي بحكم خبرتي في مجال الموارد
البشرية بوزارة الصحة فهي الأنسب للتدريب الاداري، اذكر يوم اختيار المدن للتدريب
كان يوما مشهودا مليئا بالمفاجآت والطرائف؛ مثلا حصل أحد الاصحاب على موقع للتدريب
في مدينة كبيرة، والبعض الاخر وجد نفسه منفيا (على حد تعبيره) ومنهم من فقد عجلة حقيبته
جراء التنقل الكبير بين محطات القطارات، والبعض عانى من مشقة الذهاب والعودة يوميا
من السكن الى مقر التدريب.
وصلت المدينة عصرا عن طريق القطار القادم من محطة
"كوبلنز" فأخذت سيارة اجرة – مكتب سيارات الأجرة ملاصق لمحطة القطار - اوصلني
سائقها – سوري الأصل ألماني الجنسية – الى محل سكني المكون من غرفة نوم وصالة
ومطبخ، ضمن فيلا سكنية لرجل ألماني سبعيني أسمه "ألفرد" يعيش هو وزوجته
لوحدهما.
الشقة الانيقة جاورت نهر الراين،
وسكة القطار ، وشركة (Lohmann
& Rauscher) سابع جار،
فكان روتيني اليومي النهوض باكرا للصلاة وتناول الإفطار ثم المشي تحت أشعة الشمس
الدافئة حينا و رذاذ القطر حينا، وبينهما الغمام مسبحا رنينا، بعد التدريب اتفنن
في إعداد الغداء، ثم اخذ قيلولة خفيفة، بعدها اقصد ممشى النهر مسامرا له، مصغ لعزف
تياراته، مأسور لموسيقى طيوره و أمواجه، فكان لأبد من الجلوس على بساط ضفته الأخضر،
صافنا متأملا إبداع الخالق سبحانه وتعالى.
في أيام العطل الأسبوعية أواصل
المسير حتى مركز المدينة التجاري للتبضع والاستمتاع بالنهاريات المشرقة الدافئة،
وقد يحالفني الحظ بمشاهدة احتفالات المدينة ببعض ايامها الوطنية أو مهرجاناتها
التجارية؛ حيث يتم نصب خيام في ساحتها التجارية يباع فيها بضائع لا تتوفر إلا في تلك
المهرجانات.
مركز المدينة التجاري ليس بالكبير
ولا بالصغير كأنه قد فصل قياسا لحجمها، ويضم محلات لعلامات تجارية مشهورة ومطاعم
ومقاه متعددة، والمطاعم العربية متوفرة كذلك المطاعم الاسيوية، وهو ليس ببعيد عن
محطة القطار التي تفصل بين البلدة القديمة والحديثة، وفي الحقيقة الأمر هناك تداخل
وانسجام بين الحديث و القديم مشكلا لوحة معمارية فريدة.
من جهة جنوب المركز التجاري كنيسة
المدينة وهي قديمة جدا ذات منارة طويلة بها ساعة دائرية الشكل بيضاء اللون، لا
تزال تبث حساب الوقت لناظريها، والحافلات تسير رحلاتها المتواصلة لتربط الاحياء
السكنية ببعضها بتكلفة مناسبة .
ملعب نادي نيوفييد الرياضي يقع في وسط
غابة صغيرة بها ممرات للمشاة، كما يوجد في المدينة مسبح عام يحتوي على عدة احواض
فهناك حوض سباحة للبالغين وغيره للأطفال مقابل رسوم مالية .
تعتز المدينة بجسرها الحجري
القديم على نهر الراين، والذي تم ترميمه بشكل جميل يعكس جمال وروعة المدينة
الهادئة الحالمة.
مزية مدينة نيوفييد وقوعها في
منتصف الطرق الواصلة بين جنوب شرق و شمال غرب المانيا، وبالرغم من صغر حجم محطة
القطار الا انه يمكن عن طريقها زيارة الكثير من المدن الألمانية الشهيرة مثل كولن
وبون وديسلدورف و برلين وكذلك كوبلنز و فرانكفورت وغيرها.
قضيت في هذه المدينة حوالي شهر
ونصف متسلحا ببرامج التواصل الاجتماعي ضد وحشة الليل وفي النهار بالتدريب و زيارة المدائن، والجلوس على ضفة نهر
الراين لمشاهدة شروق أو غروب الشمس راسما على صفحات ماءه لوحة فنية بديعة
جدا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق